الثلاثاء، 9 يونيو 2015

اية وتفسير

قال الله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف:53]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف:53].

لما كان في هذا الكلام نوع تزكية من امرأة العزيز لنفسها، وأنه لم يجر منها ذنب في شأن يوسف، استدركت فقالت:

{ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي } أي: من المراودة والهمِّ، والحرص الشديد، والكيد في ذلك.

{ إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائر الذنوب، فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان

{ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي } فنجاه من نفسه الأمارة، حتى صارت نفسه مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى، متعاصية عن داعي الردى، فذلك ليس من النفس، بل من فضل الله ورحمته بعبده.



{ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي: هو غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي، إذا تاب وأناب.

{ رَحِيمٌ } بقبول توبته، وتوفيقه للأعمال الصالحة.

وهذا هو الصواب أن هذا من قول امرأة العزيز، لا من قول يوسف، فإن السياق في كلامها، ويوسف إذ ذاك في السجن لم يحضر.

من تفسير السعدي رحمه الله.

والنفس إن تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان سميت النفس الأمارة بالسوء.

وقال ابن القيم في الروح (1 / 226):

"وأما النفس الأمارة فهي المذمومة، لأنها التي تأمر بكل سوء، وهذا من طبيعتها إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله له كما قال تعالى حاكيا عن امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف:53].

وقال تعالى:

{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا } [النور : 21]

وقال تعالى لأكرم خلقه عليه وأحبهم إليه:

{ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } [الإسراء : 74]

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم خطبة الحاجة:

"الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له".

فالشر كامن في النفس، وهو يوجب سيئات الأعمال، فإن خلى الله بين العبد وبين نفسه هلك بين شرها وما تقتضيه من سيئات الأعمال، وإن وفقه وأعانه نجاه من ذلك كله".

وقال أيضا:

"وأما النفس الأمارة فجعل الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها، فهو يعدها ويمنيها، ويقذف فيها الباطل، ويأمرها بالسوء ويزينه لها، ويطيل في الأمل، ويريها الباطل في صورة تقلبها وتستحسنها، ويمدها بأنواع الإمداد الباطل من الأماني الكاذبة والشهوات المهلكة، ويستعين عليها بهواها وإرادتها، فمنه يدخل عليها كل مكروه.

فما استعان على النفوس بشيء هو أبلغ من هواها وإرادتها إليه، وقد علم ذلك إخوانه من شياطين الإنس، فلا يستعينون على الصور الممنوعة منهم بشيء أبلغ من هواهم وإرادتهم، فإذا أعيتهم صورة طلبوا بجهدهم ما تحبه وتهواه، ثم طلبوا بجهدهم تحصيله، فاصطادوا تلك الصورة، فإذا فتحت لهم النفس باب الهوى دخلوا منه فجلسوا خلال الديار، فعاثوا وأفسدوا، وفتكوا، وسبوا، وفعلوا ما يفعله العدو ببلاد عدوه إذا نحكم فيها، فهدموا معالم الإيمان والقرآن والذكر والصلاة، وخربوا المساجد، وعمروا البيع والكنائس والحانات والمواخير، وقصدوا إلى الملك فأسروا وسلبوه ملكه، ونقلوه من عبادة الرحمن إلى عبادة البغايا والأوثان، ومن عز الطاعة إلى ذل المعصية، ومن السماع الرحماني إلى السماع الشيطاني، ومن الاستعداد للقاء رب العالمين إلى الاستعداد للقاء إخوان الشياطين، فبينا هو يراعى حقوق الله وما أمره به إذ صار يرعى الخنازير، وبينا هو منتصب لخدمة العزيز الرحيم إذ صار منتصبا لخدمة كل شيطان رجيم،  والمقصود أن الملك قرين النفس المطمئنة والشيطان قرين الأمارة.


نقل من موقع الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق